إنعکست زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد إلى دمشق، كأول مسؤول إماراتي رفيع المستوى منذ 10 سنوات، على نطاق واسع في وسائل الإعلام المختلفة، وخاصةً وسائل الإعلام العربية التي سلطت الأضواء علی کواليس هذه الزيارة ونتائجها.
وفي السياق ذاته، كتبت صحيفة "الأخبار" اللبنانية في مقال، أنه لأول مرة منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، وصل إلى دمشق مسؤول إماراتي رفيع المستوى كان في معسكر مقاطعة سوريا، فيما حمل رسالة دعوة رسمية من حاكم بلاده للرئيس السوري بشار الأسد لزيارة أبوظبي.
عودة العرب إلى سوريا عبر بوابة الاقتصاد
بعد هذه الزيارة، هناك فرضيات حول إمكانية زيارة بشار الأسد إلى أبو ظبي، وإذا حدث ذلك فستكون أول زيارة للرئيس السوري لدولة عربية منذ بداية الأزمة في هذا البلد.
زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق ليست مفاجئةً، بالنظر إلى أن عملية عودة الدول العربية إلى سوريا بدأت قبل فترة طويلة من بوابة الاقتصاد، والسؤال المهم الذي يطرح نفسه الآن، يتعلق بالخطوات التالية التي سيتم اتخاذها في هذا الصدد.
في غضون ذلك، فقد تم التأكيد علی عودة سوريا المبكرة إلى جامعة الدول العربية، وقد يحدث ذلك قبل موعد الاجتماع المقبل للجامعة العربية في الجزائر في مارس 2022.
کما أن زيادة دخول المستثمرين إلى ساحة الاستثمارات في سوريا ونمو التجارة الخارجية لهذا البلد، في ظل التفاهمات والتسهيلات المتفق عليها بين دمشق والدول العربية، دليل واضح على رغبة هذه الدول الكبيرة في إحياء العلاقات مع سوريا.
حالياً، لا تزال قضية الاقتصاد أبرز عناوين تحركات الدول العربية للعودة إلى سوريا، وهي بالطبع لا تری مشکلةً في إقامة العلاقات الاقتصادية تمهيداً لاستئناف العلاقات السياسية، وحل أزمة دمشق الدبلوماسية مع الدول العربية.
بعد زيارة وزير الخارجية الإماراتي لسوريا، ينتظر الكثيرون الإجراءات المقبلة للدول العربية تجاه دمشق، خاصةً وأن الموقف السعودي في هذا الصدد لا يزال متوتراً.
قام عبدالله بن زايد بأول زيارة رسمية له إلى دمشق منذ عام 2011، بعد قرابة عامين من إعادة فتح سفارة بلاده في العاصمة السورية، وبالطبع جاءت هذه الزيارة بعد سلسلة من اللقاءات والاتصالات التي جرت بين مسؤولي البلدين.
وكان من أهمها لقاء وزير الطاقة الإماراتي "سهيل المزروعي" مع وزير النفط والثروة المعدنية السوري "بسام طعمة". وفي وقت سابق أيضًا، جرت محادثة هاتفية بين ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد وبشار الأسد.
بإعلانها عن إعادة تفعيل "مجلس الأعمال السوري الإماراتي"، تنتظر دمشق من أبو ظبي ترشيح ممثليها في المجلس لبدء التجارة بين الجانبين.
لقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الإمارات وسوريا 2.6 مليار درهم العام الماضي، وأعلنت وزارة الاقتصاد الإماراتية في بيان، أن هذه الدولة كثفت جهودها لإيجاد قاعدة اقتصادية على الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، وخاصةً سوريا.
وفي آذار 2019، سافر وفد من رجال الأعمال السوريين إلى الإمارات، ثم وصل وفد يمثل غرف التجارة الإماراتية إلى سوريا، للمشاركة في معرض دمشق الدولي صيف ذلك العام. وهكذا، فإن العلاقات التجارية والاقتصادية بين دمشق وأبو ظبي قد أقيمت منذ فترة طويلة.
فشل عزلة سوريا وخيبة أمل الولايات المتحدة
يرى المراقبون أن زيارة وزير الخارجية الإماراتي لسوريا تعني كسر العزلة عن سوريا والحصار الذي تفرضه الدول العربية عليها، وربما تكون مقدمة لعودة هذا البلد إلى الجامعة العربية، کما أنها تحمل عدة رسائل أيضًا.
ولعل من أهم رسائل هذه الزيارة هي فشل السياسة الأمريكية تجاه دمشق؛ حيث أجبر الرئيس الأمريكي جو بايدن على القول بأنه "لن يعاقب المطبعين(مع الکيان الصهيوني) إذا عادوا إلی دمشق بموجب قانون قيصر".
وهذا يعني أن عبدالله بن زايد حمل رسالةً خلال زيارته لسوريا، تفيد بإعفاء الإمارات من العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر. كما تظهر المعلومات أن الإمارات تبحث عن طريق للاستثمار في السوق السورية، في مجالات تطوير البنية التحتية والمواصلات.
کذلك، أعلنت شركة موانئ دبي العالمية عن طلبها للاستثمار في ميناء اللاذقية السوري منذ حوالي عام، والآن تواصل الشركة جهودها في هذا المجال.
بالإضافة إلى ذلك، تشير المعلومات إلى أن شرکة طيران الإمارات مستعدة للعودة إلى المطارات السورية. وبالنظر إلى جهود الإمارات لتنويع اقتصادها والتخلص من اعتمادها على النفط، يرجح أن يكون التعاون النفطي آخر موضوع للنقاش بين أبوظبي ودمشق.
النقطة المهمة هي أن الإمارات لا تربط استئناف العلاقات مع سوريا بقضايا وملفات سياسية أخرى. فأبو ظبي، على سبيل المثال، لم تعلن أن قطع العلاقات بين دمشق وطهران هو شرط لإحياء علاقاتها مع سوريا، بينما تتبع السعودية نهجاً معاكساً.
وفي هذا الصدد، تعتقد مصادر مقربة من دمشق أن زيارة هذا المسؤول الإماراتي رفيع المستوى إلى سوريا، ستكون الخطوة الأولى للزيارات المستقبلية للمسؤولين العرب الآخرين إلى دمشق، ومن المحتمل أن يقوم بالزيارة القادمة وفد من مصر، ثم تبدأ زيارة المسؤولين ووفود الدول العربية الأخرى.
وبالطبع، سيبقى موقف السعودية من هذه القضية غامضاً نسبياً، حتى يتم الإعلان عن الموقف الأمريكي المقبل.
قطر، رغم تحالفها مع تركيا، هي الأخری ترحب بالإطار العام لإحياء العلاقات العربية مع سوريا، وتعدّ قضية إعادة إعمار سوريا من القضايا المهمة التي تجذب الدول العربية إلى سوريا.
الدول العربية الأخرى أيضًآ لا تخشى إعلان عودتها إلى دمشق، اقتصاديًا على الأقل، ولا ترى سوريا أي عائق أمام إحياء العلاقات السياسية مع هذه الدول.
وفي هذا السياق، في مقال كتبه الكاتب الفلسطيني "كمال خلف" في صحيفة "رأي اليوم" عبر الإقليمية، ناقش الكاتب أبعاد زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق.
حيث قال إن "زيارة مسؤول إماراتي رفيع المستوى لدمشق حدث مهم بعد عقد من الحصار المفروض على سوريا، ودعم بعض الدول الخليجية للإرهابيين في هذا البلد وتمويلهم. هذا في حين أن هذه الدول نفسها قد لعبت دورًا مهمًا في طرد سوريا من الجامعة العربية".
ما تردد حتى الآن عن زيارة عبد الله بن زايد إلى دمشق، يشير إلى أن الجانبين نسَّقا زيارة بشار الأسد إلى أبو ظبي، وتظهر المعلومات أن عبدالله بن زايد طلب من بشار الأسد عقد اجتماع رسمي مع محمد بن زايد في أبوظبي.
من جهة أخرى، رغم التناقض في نهج الإمارات وسوريا تجاه الکيان الصهيوني، حيث تعتبر الإمارات الصهاينة أصدقاء وأقامت علاقات عميقة مع الکيان الإسرائيلي، في حين أن الکيان في سياسة الحكومة السورية هو عدو العرب واحتل الأراضي العربية ومرتفعات الجولان السورية، لكن الإمارات تحاول فصل الملفين للتقارب مع دمشق.
ومع ذلك، فإن العلاقة الودية بين الإمارات والکيان الصهيوني ستكون بلا شك عقبةً رئيسيةً أمام سوريا في المستقبل، لتكون قادرةً على حشد الموقف الرسمي للعرب والمؤسسات الدولية للدفاع عن حقوق سوريا وفلسطين، ومحاربة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.
لكن أولوية سوريا في الوقت الحالي هي معالجة الأزمة الاقتصادية في البلاد، في عملية إعادة الإعمار بعد الحرب، وهي ترحب بأي مبادرة عربية في هذا الصدد.
URL تعقيب: https://www.ansarpress.com/arabic/23799
الكلمات: